: عاقبة الطمع
فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَفِي سَالِفِ
العَصْرِ وَالأَوَانِ كَانَ مَلِكٌ يَتَجَوَّلُ فِي إِحْدَى الغَابَاتِ البَعِيدَةِ
عَنْ قَصْرِهِ فَأَضَاعَ طَرِيقَ العَوْدَةِ وَلَمَّا سَاعَدَهُ
أَحَد المُوَاطِنِين حَتَّى يَتَعَرَّفَ
الوِجْهَةَ الصَّحِيحَةَ
أرَادَ أنْ يُكَافِئَهُ، فَقَال لَهُ:
"امْتَلَكْ مِنَ الأَرْضِ كُلّ المِسَاحَاتِ
التِي تَسْتَطِيعُ أنْ تَقْطَعَهَا سَيْرًا عَلَى قَدَمَيْكَ"
فَفَرَحَ الرَّجُلُ وَشَرَعَ يَمْشِي فِي
الأَرْضِ مُسْرِعًا وَمُهَرْوِلًا بِجُنُونٍ، وَسَارَ مِسَافَةً طَوِيلَةً حَتَّى تَعِبَ.
فَكَّرَ فِي العَوْدَةِ إِلَى المَلِكِ كَيْ
يَمْنَحَهُ مِسَاحَةَ الأَرْضِ التِي قَطَعَهَا، لَكِنَّهُ غَيَّرَ رَأْيَهُ،
فَقَدْ شَعُرَ
أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ قَطْعَ مِسَافَةٍ أَكْبَرَ،
وَعَزَمَ عَلَى مُوَاصَلَةِ السَّيْرِ.
فَسَارَ مِسَافَاتٍ طَوِيلَةً، وَفَكَّرَ فِي
الْعَوْدَةِ إِلَى المَلَكِ مُكْتَفِيًا بِالمِسَافَةِ التِي قَطَعَهَا.
إِلَّا أَنَّهُ تَرَدَّدَ مَرَّةً أُخْرَى،
وَقَرَّرَ أَنْ يُوَاصِلَ السَّيْرَ حَتَّى يَحْصُلَ عَلَى المَزِيدِ.
ظَلَّ الرَّجُل يَسِيرُ أيَّاماً وَلَيَالٍ،
وَلَمْ يَعُدْ أبَداً... إِذْ يُقَالُ إِنَّهُ قَدْ ضَلَّ طَرِيقَهُ وَ
ضَاعَ فِي الحَيَاةِ.
وَيُقَالُ أنَّهُ مَاتَ مِنْ شِدَّةِ إِنْهَاكِهِ
، وَلَمْ يَمْتَلِكْ شَيْئًا، وَلَمْ يَشْعُرْ بِالاكْتِفَاءِ أَوْ السَّعَادَةِ
أَبَداً،
فَقَدْ أَضَاعَ كَنْزًا ثَمِينًا، وَهُوَ
القَنَاعَةُ؛ فَالقَنَاعَةُ كَنْزٌ لَا يَفْنَى.
رحلةٌ إلِى المَاضِي
عزيز يَحْلُمُ دَائِماً
بِأَنَّهُ يَعِيشُ في زَمَنٍ سَابِقٍ، ويَتَمَنَّى لَوْ يَعُودُ مِئَاتَ
الأَعْوَامِ إلى الوَرَاءِ..
صَدِيْقُه عُثمان
يَسْتَهْزِىءُ بِهَذِهِ الأُمْنِيَةِ، ويَقُولُ لِعَزيز:‹‹كَيْفَ تَتَمَنّى
العَوْدَةَ إلى المَاضي وأَنْتَ تَعِيْشُ في عَصْرِ التَقَدُّمِ؟ بالماضي لَمْ
يَكُنْ هُنَالِكَ سَيَّاراتٌ ولا طُرُقَاتٌ ولا مُكَيِّفَاتُ هَوَاءٍ ولا
أَقْمَارٌ صِناعِيَّة، ولوْ عَرَفَ السَّابِقُونَ مَا سَتَكُونُ عَلَيْهِ اليَوْمَ
لَتَمَنُّوا أَنْ يَعِيْشُوا فِي المُسْتَقْبَلِ ولَيْسَ في الماضي‹‹
قالَ عَزيز: ‹‹أنا لا
أقْصدُ كلَّ ما تفكِّرُ بهِ، إني أحبُّ العَوْدَةَ إلى الماضي بِالْمَعْرِفَةِ
والتَّفْكِيْرِ، أُحِبُّ قِرَاءَةَ التَّارِيْخِ، وزِيَارَةِ المَتَاحِفِ ورُؤْيَةَ
الآثَارِ القَدِيْمَة ‹‹.
أَخْرَجَ عزيز مِنْ
جَيْبِهِ قِطْعَةً مَعْدَنِيَّةً قَدِيْمَةً جِدًّا.. ويَبْدُو عَلَيْهَا آثَارُ
الزَّمَنِ.. وقال: ‹‹أُنْظُرْ إلى رَوْعَةِ هَذِهِ العُمْلَةِ التَّارِيْحِيّة ‹‹
ضَحِكَ عُثمان وقال: ‹‹هَذِهِ
العُمْلَةُ لا أسْتَطِيْعُ أَنْ أَشْتَرِي بها شَيْئاً.. أنا أُريدُ عُمْلَةً
جَدِيدةً لأَذْهَبَ إلى مَدِيْنَةِ الأَلْعابِ أو المَطْعَمِ أو أَيِّ مَكَانٍ
أَلْهُو فِيْهِ.. هذِهِ العُمْلَةُ لا قِيْمَةَ لها ‹‹
أجَابَهُ عزيز: ‹‹هَذِهِ
العُمْلَةُ النادِرَةُ لها قِيْمَةً عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُ قيمَتها ‹‹
قالَ عُثمان: ‹‹ أَنْتَ
دَائِماً أفْكَارُكَ غَرِيْبَة ‹‹
قالَ عزيز: ‹‹أَبَداً..
عِنْدَما نَعُوْدُ إلى الماضي ونَعِيْشُ كما كانوا يَعِيْشُونْ، نَعْرِفُ قِيْمَةَ
ما نَحْنُ فِيْهِ الآنَ مِنَ النِّعَمِ.. ونُدْرِكُ أنّ المُسْتَقْبَلَ سيكونُ أعظمُ
مما يمكنُ أنْ نتصورهُ ‹‹
عثمان:‹‹ربَّما، لَكِنَّنِي أُفَكِّرُ بالحَاضِرِ أكثرَ من
الماضي والمُسْتَقْبَل ‹‹
عزيز:‹‹أنا أُحِبُّ
الماضي والحاضرَ والمستقبلَ ‹‹
عثمان:‹‹وأنَا أَشْعُرُ
بِصُدَاعٍ بِرَأْسِي. كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ مَعَكَ بهذا المَوْضُوعِ.. هيّا
نَلْعَبُ الآنَ وغَدًا نُفَكِّرُ ماذا سَنَفْعَلْ؟‹‹
لَقَدْ
أَتْعَبْتَ الخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِكَ
وَقَعَتْ أَحْدَاثُ هذهِ القِصَّة في عهدِ خِلافةِ
أبو بَكْرٍ الصِدّيق رضيَ اللَّهُ عَنْهُ وعِنْدها كان عَمَرُ بْنُ الخَطَّاب
رضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يراقبُ ما يفعلهُ أبو بَكْر ويأتي بضِعْفِ ما يفعلُ حتى
ينالَ الخيرَ ويسبِقُهُ إلى أَعْلى مَرَاتِبِ الجنَّة... وشَدَّ انْتِبَاهُ عُمر
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ أبا بَكْر يخرجُ إلى أَطْرَافِ المدينةِ بعد صلاةِ
الفجرِ ويَمُرّ بكــوخٍ صغيرٍ ويَدْخُلُ به لِسَاعَاتٍ ثُمّ يَنْصَرِفُ
لِبَيْتِهِ... وَهُوَ لاَ يَعْلَــمُ ما بِدَاخِـــلِ البَيْتِ ولا يدرِي ما
يَفْعَلُهُ أبو بكر الصِدِّيق داخِــلَ هذا البيتِ لأنَّ عُمَرَ يَعْرِفُ كُلَّ ما
يَفْعَلُهُ أبو بَكْرِ الصِدِّيق مِنْ خَيْرٍ إلا ما كان من أَمْرِ هذا البيتِ
الَّذِي لا يعلمُ عُمَر سِرَّهُ!!
مَرَّتِ الأَيــامُ وما زالَ الصِدِّيقُ يزورُ هذا
البيت، إِلى أنْ قَرَّرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ دُخُولَ البيتِ بَعْدَ خُروج أبو
بَكَرٍ مِنْهُ لِيُشَاهِدَ بِعَيْنِهِ ما بِدَاخِلِهِ ولِيَعْرِفَ ماذا يَفْعَلُ
فيهِ الصِدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ بَعْدَ صلاةِ الفَجْرِ!!
حِيْنَمَا دَخَلَ عُمَرُ في هذا الكُـــوخِ الصَّغِيرِ
وَجَدَ سَيِّدةً عَجُـــــــوزَ لا تَقْوَى على الحِـــرَاك كما أَنَّها عَمْيـــاءُ
العَيْنَيْنِ.
سَأَلَ عُمَرُ:«مَاذا يفعلُ هذا الرَّجُلُ عِنْدَكُمْ؟»(يَقْصِدُ
أَبا بَكْرٍ الصِدِّيق)فَأَجَابَتِ العَجُوزُ وقالتْ:«واللَّهِ لا أَعْلَمُ يا
بُنَيّ! فهذا الرَّجُلُ يَأْتِي كُلَّ صَبَاحٍ ويُنَظِّفُ لي البَيْتَ ويَكْنُسُهُ
وَمِنْ ثُمَّ يُعِدُّ لِي الطَّعَامَ ويَنْصَرِفُ دُونَ أَنْ يُكَلِّمَني!!؟؟»
جَثَمَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ
وَقَالَ عِبَارَتَهُ المَشْهُورَةُ وَهُوَ يَبْكِي: «لَقَدْ أَتْعَبْتَ
الخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِكَ يا أبا بَكْرٍ. »
البُستانيّ والثّعلبُ
حُكي أنّ بُستـــــانيّاً كان له بستانٌ يعتني
بأشجارهِ كلّ يومٍ،يسقيها،ويقلّب التّربة حولها، ويقلّم أغصانها،ويقلع الأعشاب
الضّارة المحيطة بها. نَمَتْ أشجار البستــــــان وأثمرتْ، فتدلّتْ أغصانها،وذات
مساءٍ مرّ بالبستان ثعلبٌ جائع،فرأى ثماره النّاضجة،وسال لعابه، واشتهى أن يأكل
منها،لكن كيف يدخل البستـــــان؟وكيف يتسلّق هذا السّور العالي؟بقي الثّعلب يدور
حول السّـــــــــــور،حتّى وجد فتحةً في أسفله،فنفذ منها بصعوبة،وبدأ يأكل الفـــــواكه
حتّى انتفـــخ بطــــنه،ولمّا أراد الخروج لم يستطع،قال في نفسه:‹‹أتمدّدُ هنا كالميّت،
وعندما يجدني البستــــانيّ هكذا يرميني خارج السّور، فأهرب وأنجو.›› وجاء
البستانيّ ليعمل كعادته، فرأى بعض الأغصان مكسّرةً، والقشور مبعثرةً، عرف أنّ
أحداً تسلّل إلى البستـان، فأخذ يبحث حتّى وجد ثعلباً ممدّداً على الأرض، بطنه
منفوخ، وفمه مفتوح، وعيناه مغمضتان، فقال البستــــــــانيّ: نلتَ جزاءك أيّها
الماكر، سأحضر فأساً، وأحفر لك قبراً، كي لا تنتشر رائحتك النّتـــــنة، خاف
الثّعلب فهرب واختبأ، وباتَ خائفاً، وعند الفجر خرج من الفتحة التي دخل منها، ثمّ
التفت إلى البستــــــــان، وقال:‹‹ثمارك لذيذة، ومياهك عذبة، ولكنّي لم أستفد منك
شيئاً، دخلت إليك جائعًا، وخرجت منك جائعاً، وكدت أن أدفن حيّاً.››
*************
في مَحطّة الْحافلة وقف رامي يَحمل كيسا مليئا ببذور عبّاد الشّمس.جعل يأكل
منها ثمّ يلقي بالقشر على الأرض دون خجل أو حياء حتّى امتلأ الرّصيف وفجأة أقبل
شرطي وقال له:
-
أيّها الولد النّظيف لقد تسبّبت في ملء الشّارع بقشر
عباد الشّمس.
فردّ رامي بتهكّم:
-
حسنا و
الْمطلوب؟
نظر الشّرطيّ
لرامي وقال:
-
الْمطلوب منك هو أن تجمع هذا القشر حتّى يعود الرّصيف
نظيفا كما كان قبل مجيئك.
انْحنَى رامي على الأرض و أخذ يَجمع قشر عبّاد الشّمس بيديه. حينئذ شعر الولد بالْخجل وأدرك خطأه. ولكنّه تعلّم درسا لن ينساه أبدا.
*****************
صَدِيقِي الْحَاسُوبُ
شَغَفِي بِالْحَاسُوبِ كَبِيرٌ . أَسْتَعْمِلُهُ فِي
كِتَابَةِ النُّصُوصِ
الْقَصِيرَةِ أَوْ فِي رَسْمِ لَوْحَاتٍ فَنِّيَةٍ و
تَلْوِينِهَا. و أَحْيَانًا أَخْتَارُ
لُعْبَةً مِنْ قُرْصٍ لَيْزَرِيٍّ و أُقَضِّي مَعَهَا
أَمْتَعَ اللَّحَظَاتِ
فَكَانَتْ نَتَائِجِي ضَعِيفَةً لَكِنْ سُرْعانَ مَا
تَحَسَّنَتْ إِلَى أَنْ
صِرْتُ منْ أَمْهَرِ اللاَّعِبِينَ . و ذَاتَ يَوْمٍ
اِسْتَوْقَفَتْنِي أُمِّــــي
وَ قَالَتْ: " سَأَبْعَثُ بِتَهْنئَةِ الْعِيدِ إِلَى خَالَتِكَ سُمَيَّةَ بِصفاقُسَ".
***************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق